أولاً : البركة في أهلها من الأنبياء والرسل:
بلاد الشام محل دعوة الأنبياء والرسل، وإذا ذكر الأنبياء والرسل ذكر معهم دين الله الإسلام والخير والبركة والهداية والإرشاد، فدعوتهم صلوات الله عليهم دعوة مباركة، على أرض مباركة، فمن اهتدى بهديهم كان له حظ وافر من الخير والبركات، ومن عصاهم كان من الخاسرين. ولقد أتم الله هذه البركة بالإسراء بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وصلاته إماماً بالأنبياء والمرسلين.
ثانياً: البركة في أهلها من المؤمنين على منهج النبوة:
1- فأهل الشام المؤمنون بالله تعالى الذين هم على منهج النبوة: هم حزب الله:
معلوم أن بلاد الشام خيرة الله من أرضه، لذلك فمن فضل الله تعالى على عباده المؤمنين، الموحدين له، ولهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، على فهم الصحابة ـ رضوان الله عنهم ـ، أن يجتبيهم إليها. وقد تكفل الله تعالى بهم، فعن عبد الله بن حوالة الأزدي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
ستجندون أجناداً، جنداَ بالشام، وجنداً بالعراق، وجنداً باليمن، قال عبد الله: فقمت فقلت: خر لي يا رسول الله، فقال: عليكم بالشام، (وفي رواية: عليك بالشام، فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها حزبه من عباده) فمن أبى فليلحق بيمنه، وليَسْتق من غُدُره(1)، فإن الله عز وجل قد تكفل ( وفي رواية: توكَّلَ ) لي بالشام وأهله2.
قال ربيعة: فسمعت أبا إدريس يحدث بهذا الحديث يقول: ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه.
2- وأهل الشام المؤمنون بالله تعالى الذين هم على منهج النبوة: هم خيار أهل الأرض:
معلوم أن بلاد الشام مهاجر إبراهيم ـ عليه السلام ـ، وقد عمرها ـ عليـه السلام ـ بالدعوة الصحيحة، وإقامة شرع الله تعالى، وجعل فيها بإذن الله تعالى نسلاً مباركاً على رأسه إسرائيل ـ عليه السلام ـ الذي انتسبت أمة بني إسرائيل إليه حين فضلهم الله تعالى على العالمين، قال تعالى في سورة الجاثية: (وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ(16).
وقد لازم بنو إسرائيل هذه البقعة المباركة طاعة لله تعالى، ودعوا فيها إلى دين الله الإسلام، قال تعالى في سورة الأعراف: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ..(137).
وقال في سورة يونس: (وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ..(93).
إلى أن عصوا، وضلوا، وانحرفوا، وحرَّفوا، وخرجوا عن الجادة، فكفروا بدين الله تعالى الإسلام، فعاقبهم الله تعالى بأن سلط عليهم الأعداء، من كل صوب، وحرموا قيادة البشرية، وأبعدوا من مهاجر إبراهيم قصراً وعنوة، جزاء لهم على ضلالهم وكفرهم، إلى أن جعل الله تعالى لأمة محمد تشريفاً ـ بعد ضلال بني إسرائيل ـ دخول الأرض المقدسة، فدخلها النبي صلى الله عليه وسلم في إسرائه، وعقد لواء الفتح لدخولها قبل وفاته، فابتدأ أبو بكر الخليفة الأول ـ رضي الله عنه ـ فتحها، واستكمل فتحها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ لذا كانت وصية النبي صلى الله عليه بملازمتها والهجرة إليها، فقد أخرج أبو داود، والحاكم، عن عبد الله بن عمرو، وأخرج أحمد، وابن عساكر عن عبد الله بن عمر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "سيكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم".
3- وأهل الشام المؤمنون بالله تعالى الذين هم على منهج النبوة: هم الطائفة المنصورة:
معلوم أن بلاد الشام مهاجر إبراهيم ـ عليه السلام ـ، وقد عمرهـا ـ عليه السلام ـ بالدعوة الصحيحة، وإقامة شرع الله تعالى، وتابعه على ذلك نسله من الأنبياء، وأغلقت الحلقة بنسله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، تلك الحلقة التي ابتدأها أبو الأنبيـاء إبراهيم ـ عليه السلام ـ حين عمر المسجد الأقصى، وبنى المسجد الحرام. وتتابع الأتباع الأطهار على سلوك مسلك الأنبياء فوق هذه الأرض المقدسة، فلا غرابة أن يكون أتباع الأنبياء هم الطائفة المنصورة في كل زمان، إلى أن جاء النبي صلى الله عليه وسلم فعين محل هذه الطائفة في الشام لاتصالها العقدي السلفي بالأنبياء والرسل أجمعين. ففي الصحيحين عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، أَنَّ عُمَيْرَ بْنَ هَانئٍ حَدَّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ" فَقَامَ مَالِكُ بْنُ يَخَامِرٍ السَّكْسَكِيُّ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سَمِعْتُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَقُولُ: وَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَرَفَعَ صَوْتَهُ هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ: وَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ.
4- وأهل الشام المؤمنون بالله تعالى الذين هم على منهج النبوة: هم سوط الله في أرضه:
وهذه نتيجة معلومة بالضرورة، وهي أثر من آثار بركة أهلها المؤمنين الموحدين الذين هم على منهج السلف الصالح، أن يكونوا سوط الله تعالى في أرضه، وهذا مما بشر به خريم بن فاتك الأسدي ـ موقوفاً ـ1، أن أهل الشام السلفيون سوط الله في الأرض، فعنه ـ رضي الله عنه ـ قال: أَهْلُ الشَّامِ سَوْطُ اللَّهِ فِي الأرْضِ يَنْتَقِمُ بِهِمْ مِمَّنْ يَشَاءُ، كَيْفَ يَشَاءُ، وَحَرَامٌ عَلَى مُنَافِقِيهِمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى مُؤْمِنِيهِمْ، وَلَنْ يَمُوتُوا إِلاَّ هَمًّا أَوْ غَيْظًا أَوْ حُزْنًا.
5- وأهل الشام المؤمنون بالله تعالى الذين هم على منهج النبوة: هم قلب الأمة النابض:
إن من آثار البركة في أهلها المؤمنين على منهج النبوة، أنهم قلب الأمة النابض، بهم تنبض حياتها، فعلى المؤمنين أن يعولوا عليهم خيراً، ولم لا وقد زكاهم النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من حديث، فهم أحق الناس بعمارة الأرض المقدسة، عمارة الأرض المباركة. قال قُرَّة ـ رضي الله عنه ـ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في "الصحيحة" (403): (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة).
قلت: ظهر من هذا الحديث لذي عينين مدى أهمية رجوع أهل الشام للحق، والحق يعني التمسك بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، محمد صلى الله عليه وسلم، والذين معه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
لذلك يجيء دور الطائفة المنصورة من أجل إزالة الفساد، لذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم إليهم في الحديث حين ذكر فساد أهل الشام.
إن إزالة الباطل والفساد من بلاد الشام، شيء عظيم عماله من خيرة أهل الأرض، ولا أدل على ذلك أن متمم الفساد ورأسه آخر الزمان وهو المسيح الدجال يكون حتفه في بلاد الشام، على يد المسيح عيسى ابن مريم ـ عليه السلام، الذين أنصاره أنصار الحق، الطائفة المنصورة.
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى (4/449): "والنبي صلى الله عليه وسلم ميَّز أهل الشام بالقيام بأمر الله دائماً إلى آخر الدهر، وبأن الطائفة المنصورة فيهم إلى آخر الدهر فهو إخبار عن أمر دائم مستمر فيهم مع الكثرة والقوة، وهذا الوصف ليس لغير أهل الشام من أرض الإسلام، فإن الحجاز التي هي أصل الإيمان نقص في آخر الزمان منها: العلم والإيمان والنصر والجهاد، وكذلك اليمن والعراق والمشرق، وأما الشام فلم يزل فيها العلم والإيمان ومن يقاتل عليه منصوراً مؤيداً في كل وقت".أ.هـ